سورة الضحى - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الضحى)


        


{وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3)}
المراد بالضحى: وقت الضحى، وهو صدر النهار حتى ترتفع الشمس وتلقي شعاعها. وقيل: إنما خصّ وقت الضحى بالقسم، لأنها الساعة التي كلم فيها موسى عليه السلام، وألقي فيها السحرة سجداً، لقوله: {وَأَن يُحْشَرَ الناس ضُحًى} [طه: 59] وقيل: أريد بالضحى: النهار، بيانه قوله: {أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى} [الأعراف: 98] في مقابلة (بياتاً). {سجى} سكون وركد ظلامه. وقيل: ليلة ساجية ساكنة الريح.
وقيل معناه: سكن الناس والأصوات فيه. وسجا البحر: سكنت أمواجه. وطرف ساج: ساكن فاتر {ما ودّعك} جواب القسم. ومعناه: ما قطعك قطع المودع. وقرئ بالتخفيف، يعني: ما تركك. قال:
وَثَمَّ وَدَعْنَا آلَ عَمْرٍو وَعَامِرٍ *** فَرَائِسَ أَطْرَافِ الْمُثَقَّفَةِ السُّمْرِ
والتوديع: مبالغة في الودع؛ لأنّ من ودّعك مفارقاً فقد بالغ في تركك. روى: أنّ الوحي قد تأخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أياماً، فقال المشركون: إنّ محمداً ودعه ربه وقلاه. وقيل: إنّ أم جميل امرأة أبي لهب قالت له: يا محمد، ما أرى شيطانك إلاّ قد تركك، فنزلت. حذف الضمير من {قلى} كحذفه من (الذاكرات) في قوله: {والذاكرين الله كثيراً والذاكرات} [الأحزاب: 35] يريد: والذاكراته ونحوه: (فآوى... فهدى... فأغنى) وهو اختصار لفظي لظهور المحذوف.


{وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5)}
فإن قلت: كيف اتصل قوله: {وَلَلأَخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأولى (4)} بما قبله؟ قلت: لما كان في ضمن نفي التوديع والقلي: أنّ الله مواصلك بالوحي إليك، وأنك حبيب الله ولا ترى كرامة أعظم من ذلك ولا نعمة أجلّ منه: أخبره أن حاله في الآخرة أعظم من ذلك وأجل، وهو السبق والتقدّم على جميع أنبياء الله ورسله، وشهادة أمته على سائر الأمم، ورفع درجات المؤمنين وإعلاء مراتبهم بشفاعته، وغير ذلك من الكرامات السنية {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى} موعد شامل لما أعطاه الله في الدنيا من الفلج والظفر بأعدائه يوم بدر ويوم فتح مكة، ودخول الناس في الدين أفواجاً، والغلبة على قريظة والنضير وإجلائهم، وبثّ عساكره وسراياه في بلاد العرب، وما فتح على خلفائه الراشدين في أقطار الأرض من المدائن وهدم بأيديهم من ممالك الجبابرة وأنهبهم من كنوز الأكاسرة، وما قذف في قلوب أهل الشرق والغرب من الرعب وتهيب الإسلام، وفشوّ الدعوة واستيلاء المسلمين، ولما ادّخر له من الثواب الذي لا يعلم كنهه إلاّ الله. قال ابن عباس رضي لله عنهما: له في الجنة ألف قصر من لؤلؤ أبيض ترابه المسك.
فإن قلت: ما هذه اللام الداخلة على سوف؟ قلت: هي لام الابتداء المؤكدة لمضمون الجملة، والمبتدأ محذوف. تقديره: ولأنت سوف يعطيك، كما ذكرنا في: لا أقسم، أن المعنى: لأنا أقسم؛ وذلك أنها لا تخلو من أن تكون لام قسم أو ابتداء فلام القسم لا تدخل على المضارع إلاّ مع نون التأكيد، فبقي أن تكون لام ابتداء، ولام الابتداء لا تدخل إلاّ على الجملة من المبتدأ والخبر، فلا بد من تقدير مبتدإ وخبر، وأن يكون أصله: ولأنت سوف يعطيك.
فإن قلت: ما معنى الجمع بين حرفي التوكيد والتأخير؟ قلت: معناه أن العطاء كائن لا محالة وإن تأخّر، لما في التأخير من المصلحة.


{أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8)}
عدّد عليه نعمه وأياديه، وأنه لم يخله منها من أوّل تربيه وابتداء نشئه، ترشيحاً لما أراد به؛ ليقيس المترقب من فضل الله على ما سلف منه، لئلا يتوقع إلاّ الحسنى وزيادة الخير والكرامة: ولا يضيق صدره ولا يقل صبره. و{أَلَمْ يَجِدْكَ} من الوجود الذي بمعنى العلم: والمنصوبان مفعولاً وجد. والمعنى: ألم تكن يتيماً، وذلك أنّ أباه مات وهو جنين قد أتت عليه ستة أشهر وماتت أمّه، وهو ابن ثمان سنين، فكفله عمه أبو طالب، وعطّفه الله عليه فأحسن تربيته. ومن بدع التفاسير: أنه من قولهم: (درّة يتيمة) وأن المعنى: ألم يجدك واحداً في قريش عديم النظير فآواك. وقرئ: {فآوى} وهو على معنيين: إما من أواه بمعنى آواه. سمع بعض الرعاة يقول: أين آوي هذه الموقسة وإما من أوى له: إذا رحمه {ضَآلاًّ} معناه الضلال عن علم الشرائع وما طريقه السمع، كقوله: {مَا كُنتَ تَدْرِى مَا الكتاب} [الشورى: 52]. وقيل: ضل في صباه في بعض شعاب مكة، فردّه أبو جهل إلى عبد المطلب. وقيل: أضلته حليمة عند باب مكة حين فطمته وجاءت به لتردّه على عبد المطلب. وقيل: ضلّ في طريق الشام حين خرج به أبو طالب، فهداك: فعرفك القرآن والشرائع. أو فأزال ضلالك عن جدك وعمك. ومن قال: كان على أمر قومه أربعين سنة، فإن أراد أنه كان على خلوّهم عن العلوم السمعية، فنعم؛ وإن أراد أنه كان على دينهم وكفرهم، فمعاذ الله؛ والأنبياء يجب أن يكونوا معصومين قبل النبوّة وبعدها من الكبائر والصغائر الشائنة، فما بال الكفر والجهل بالصانع {مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بالله مِن شَيْء} [يوسف: 38] وكفى بالنبي نقيصه عند الكفار أن يسبق له كفر {عَآئِلاً} فقيراً. وقرئ: {عيلاً} كما قرئ: سيحات. وعديماً {فأغنى} فأغناك بمال خديجة. أو بما أفاء عليك من الغنائم. قال عليه الصلاة السلام: «جعل رزقي تحت ظلّ رمحي» وقيل: قنعك وأغنى قلبك.

1 | 2